إن الإكثار من الكلام الذي لا حاجة إليه يوجب قساوة القلب، كما روى الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعًا: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي».
وقال عمر رضي الله عنه: من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه، كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه، كانت النار أولى به، وقال محمد بن عجلان: إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله، وتقرأ القرآن، وتسأل عن علم فتخبر به، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك.
فليس الكلام مأمورا به على الإطلاق ولا السكوت مأموراً به على الإطلاق، بل لابد من الكلام في الخير العاجل والآجل، والسكوت عن الشر الآجل والعاجل، واللسان ترجمان القلب والمعبر عنه، وقد أمرنا بإستقامة القلب واللسان، قال صلّى الله عليه وسلّم: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه»، رواه الإمام أحمد في مسنده.
وروى الترمذي: «إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: إتق الله فينا، فإنما نحن بك فإن إستقمت إستقمنا، وإن إعوججت إعوججنا».
[] وإن آفات اللسان كثيرة ومتنوعة:
¤ الآفة الأولى: الكلام فيما لا يعني، وفي الحديث الصحيح: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
¤ الآفة الثانية: الخوض في الباطل، وهو الكلام في المعاصي، والتحدث عنها بما يروِّجها بين الناس، ويشيع الفاحشة بينهم، ومن ذلك ما يقع في المجتمع من المخالفات التي يرتكبها بعض الأفراد، فإن التحدث عنها في المجالس يُفرِح الأشرار والمنافقين، ويشيع الفاحشة في المؤمنين وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور:19].
والواجب على من علم من أخيه زلة أن يستر عليه ويناصحه، أو يرفع أمره إلى ولي الأمر إذا إقتضت المصلحة ذلك، أما أن يتخذ من زلَّته موضوعًا يتحدث عنه في المجالس، فإن ذلك من أقبح الخصال، وذميم الفعال قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا تؤذوا عباد الله، ولا تعيِّروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم، طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته».
¤ الآفة الثالثة: التكلم بالفحش والسب والبذاءة والشتم، فإن بعض الناس يعتاد النطق بلعن الأشخاص والأماكن والدواب، فيكون النطق باللعنة أسهل الألفاظ عليه، وربما يواجه بها صديقه وصاحبه والعزيز عليه، وقد قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «لعن المسلم كقتله»، وقال عليه الصّلاة والّسلام: «ليس المؤمن بالطعان واللعان ولا الفاحش ولا البذيء»، وقد لعنت امرأة ناقة لها فأمر النّبي صلَّى الله عليه وسلَّم بأخذ ما عليها وتركها، وقال: «لا تصحبنا ناقة ملعونة»، وبعض النّاس حينما يكون بينه وبين أخيه المسلم منازعة أو مشادة، فإنه يطلق لسانه عليه بالسب والشتم والتعيير، ورميه بما ليس فيه من قبيح الخصال، ولا يدري هذا المسكين أنه إنما يجني على نفسه ويحملها أوزار ما يقول، والله تعالى قد أمر من وُجِّه إليه شيء من الشتائم والسباب أن يدفع ذلك الكلام بالكلام الحسن، قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:34]، فإذا كان المعتدي عليه بالكلام السيئ مأمورا بدفعه بكلام حسن إبتعادًا عن النطق بالفحش ولو قصاصًا، فكيف الذي يبدأ بالفحش ويتفوه بالإثم؟!.
¤ الآفة الرابعة: من آفات اللسان: كثرة المزاح، فإن الإفراط في المزاح والمداومة عليه منهي عنهما، لأنّه يسقط الوقار، ويوجب الضغائن والأحقاد، أما المزاح اليسير النزيه فإنه لا بأس به، لأن فيه إنبساطا وطيب نفس، وكان النّبي صلَّى الله عليه وسلَّم يمزح ولا يقول إلا حقًا.
¤ الآفة الخامسة: الإستهزاء والسخرية بالناس، وتتبع عثراتهم، والبحث عن عوراتهم، والتندر بذلك، وإنتقاصهم، والضحك منهم، قال تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [الهمزة:1]، يعني الذي يزدري النّاس وينقصهم قيل: الهمز بالقول، واللمز بالفعل، توعده الله بالويل وهو كلمة عذاب، أو واد في جهنم نعوذ بالله من ذلك.
¤ الآفة السادسة والسابعة: الغيبة والنميمة، هما من كبائر الذنوب، والغيبة: ذكرك أخاك حال غيبته بما كره، والنميمة: نقل الحديث بين الناس على وجه الإفساد، وقد شبه الله المغتاب بآكل الميتة، وفي الحديث: «إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا، إن الرجل قد يزني ويتوب، ويتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه»، وأخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن النمام يُعذب في قبره، وأخبر أن النمام لا يدخل الجنة يوم القيامة، فقد روى البخاري ومسلم: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «ا يدخل الجنّة نمّام».
فتحفظوا من ألسنتكم، وزنوا أقوالكم، فإن الإنسان قبل أن يتكلم يملك كلامه، لكنه إذا تكلم ملَكه كلامه.
الكاتب: صالح الفوزان.
المصدر: شبكة مسلمات.